سورة الحاقة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)}
{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ} إلخ استئناف جيء به بيانًا لكيفية إهلاكهم بالريح وجوز أن يكون صفة أخرى وأنه جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اقترانات بعض الكواكب ببعض ونزولها في بعض المنازل إذ لو وجدت الاقترانات المقتضية لبعض الحوادث كان ذلك بتقديره تعالى وتسببه عز وجل لا من ذاتها استقلالًا والسبب الذي يذكره الطبائعيون للريح تكاثف الهواء في الجهة التي يتوجه إليها وتراكم بعضه على بعض بانخفاض درجة حرارته فيقل تمدده ويتكاثف ويترك أكثر المحل الذي كان مشغولًا به خاليًا أو بتجمع فجائي يحصل في الأبخرة المنتشرة في الهواء فتخلو محالها وعلى التقديرين يجري إلى ذلك المحل الهواء المجاور بقوة ليشغله فيحدث ويستمر حتى يمتلىء ذلك الفضاء ويتعادل فيه الهواء فيسكن عند ذلك ويتفاوت سيرها سرعة وبطأ فتقطع الريح المعتدلة على ما قيل في الساعة الواحدة نحو فرسخ والمتوسط فيها نحو أربعة فراسخ والقوية نحو ثمانية فراسخ وما هي أقوى منها نحو ستة عشر فرسخًا وما هي أقوى ويسمى العاصف نحو سبعة عشر فرسخًا وما هي أقوى وتسمى المؤتفكة نحو تسعة وعشرين فرسخًا وقد تقطع في ساعة نحو ستة وثلاثين فرسخًا وهذا أكثر ما قيل في سرعة الريح وقد عملوا آلة يزعمون أنها مقياس يستعلم بها قوة هبوب الريح وضعفه وهذا غير بعيد من النوع الإنساني ويقال فيما ذكروه من السبب نحو ما سمعت آنفًا ومعنى سخرها عليهم سلطها عز وجل بقدرته عليهم {سَبْعَ لَيَالٍ وثمانية أَيَّامٍ حُسُومًا} أي متتابعات كما قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وأبو عبيدة جمع حاسم كشهود جمع شاهد من حسمت الدابة إذا تابعت كيها على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم فهي مجاز مرسل من استعمال المقيد وهو الحسم الذي هو تتابع الكي في مطلق التتابع وفي الكشف هو مستعار من الحسم عنى الكي شبه الأيام بالحاسم والريح لملابستها بها وهبوبها فيها واستمرار وصفها أبو صفها في قولهم يوم بارد وحار إلى غير ذلك بفعل الأيام كل هبة منهاكية وتتابعها بتتابع الكيات حتى يحصل الانحسام أي استئصال الداء الذي هو المقصود والمعنى بعد التلخيص متتابعة هبوب الرياح حتى أتت عليهم واستأصلتهم أو نحسات مشؤمات كما قال الخليل قيل والمعنى قاطعات الخير بنحوستها وشؤمها فمعمول حسومًا محذوف أو قاطعات قطعت دابرهم وأهلكتهم عن آخرهم كما قال ابن زيد وقال الراغب الحسم أزال أثر الشيء يقال قطعه فحسمه أي أزال مادته وبه سمي السيف حسامًا وحسم الداء إزالة أثره بالكي وقيل للشؤم المزيل لأثر ما ناله حسوم وحسومًا في الآية قيل حاسمًا أثرهم وقيل حاسمًا خبرهم وقيل قاطعًا لعمرهم وكل ذلك داخل في عمومه فلا تغفل وجوز أن يكون حسومًا مصدرًا لا جمع حاسم وانتصابه إما بفعله المقدر حالًا أي بحسمهم حسومًا عنى تستأصلهم استئصالًا أو على العلة أي سخرها عليهم لأجل الاستئصال أو على أنه صفة أي ذات حسوم وأيدت المصدرية بقراءة السدي حسومًا بفتح الحاء على أنه حال من الريح أي سخرها مستأصلة لتعين كونه مفردًا على ذلك وهي كانت أيام العجوز من صبح الأربعاء لثمان بقين من شوال إلى غروب الأربعاء الآخر وإنما سميت أيام العجوز لأن عجوزًا من عاد توارت في سرب فانتزعتها الريح في اليوم الثامن وأهلكتها أو لأنها عجز الشتاء فالعجوز عنى العجز وأسماؤها الصن والصنبر والوبر والآمر والمؤتمر والمعلل ومطفىء الجمر ومطفىء الظعن ولم يذكر هذا الثامن من قال إنها سبعة لا ثمانية كما هو المختار {فَتَرَى القوم} أي إن كنت حاضرًا حينئذ فالخطاب فيه فرضي {فِيهَا} أي في الأيام والليالي وقيل في مهاب الريح وقيل في ديارهم والأول أظهر {صرعى} أي هلكى جمع صريع {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} أي أصول نخيل وقرأ أبو نهيك أعجز على وزن أفعل كضبع وأضبع وحكى الأخفش أنه قرئ نخيل بالياء {خَاوِيَةٍ} خلت أجوافها بلى وفسادًا وقال ابن شجرة كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم فصاروا كأعجاز النخل الخاوية وقال يحيى بن سلام خلت أبدانهم من أرواحهم فكانوا كذلك وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال كانوا في سبعة أيام في عذاب ثم في الثامن ماتوا وألقتهم الريح في البحر فذلك قوله تعالى:


{فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)}
{فَهَلْ ترى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ} أي بقية على أن الباقية اسم كالبقية لا وصف والتاء للنقل إلى الاسمية أو نفس باقية على أن الموصوف مقدر والتاء للتأنيث وقال ابن الأنباري أي باق والهاء للمبالغة وجوز أن يكون مصدرًا كالطاغية والكاذبة أي بقاء والتاء للوحدة.


{وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)}
{وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ} ومن تقدمه من الأمم الكافرة كقوم نوح عليه السلام وفيه تعميم بعد التخصيص فإن منهم عادًا وثمودًا وقرأ أبو رجاء وطلحة والجحدري والحسن بخلاف عنه وعاصم في رواية أبان والنحويان وأبان ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء أي ومن في جهته وجانبه والمراد ومن عنده من اتباعه وأهل طاعته ويؤيده قراءة أبي وابن مسعود ومن معه {والمؤتفكات} أي قرى قوم لوط عليه السلام والمراد أهلها مجازًا بإطلاق المحل على الحال أو بتقدير مضاف وعلى الإسناد المجازي والقرينة العطف على من يتصف بالمجيء وقرأ الحسن هنا والمؤتفكة على الإفراد {بِالْخَاطِئَةِ} أي بالخطأ على أنه مصدر على زنة فاعلة أو بالفعلة أو الأفعال ذات الخطا العظيم على أن الإسناد مجازي وهو حقيقة لأصحابها واعتبار العظم لأنه لا يجعل الفعل خاطئًا إلا إذا كان صاحبه بليغ الخطأ ويجوز أن تكون الصيغة للنسبة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8